![]() |
![]() |
الدقهلية وقناة السويس
لم تكد الحملة النابوليونية
الفاشلة تعود إلى فرنسا في
سنة 1801م حتى كانت قد خلفت وراءها في الشرق
عامة وفى مصر خاصة طابوراً من الجواسيس
وان تكن سمتهم قناصل..
وكان من بينهم
ولعله من شرهم المدعو ( ماتيو ديلسبس)
الذي احتال على حاكم مصر الضعيف
محمد سعيد وحصل منه على امتياز قناة
تصل بين البحرين الأبيض والأحمر، بشروط
مجحفة بحق مصر، وكان من بين هذه الشروط
أن يقوم العمال المصريون بالحفر، ونقل
التراب ، وبناء المنشآت سخرة دون مقابل.
وتحدثنا الوثائق
التاريخية أن هذه الشركة المشؤومة لجأت إلى
نقر أسمتهم " مقاولي الأعمال" وكانوا في
الغالب أوربيين أو من صقلية ومالطة ورودس
وكريت يعرفون بعض العربية، وكان الواحد مهم
يحيط نفسه بعصابة نفسه بعصابة من أمثاله
ويتعهد للشركة بتقديم الأعداد الهائلة من
العمال لقاء مبلغ معين، وينطلق
هؤلاء اللصوص ليأتوا بهذا العدد المطلوب
بأسلوبهم الذي يتلخص في الالتجاء إلى
الباشبوزق " المأمور" الذي يلزم شيخ البلد
يجمع العمال المطلوبين ، فينطلق جنوده
وأعوانه في كل قرية يقبضون على الأهالي
ويربطونهم بالسلاسل ويقودونهم إلى مناطق
تجمعهم حيث بتسلمهم المتعهد وينال
الباشبوزق "المأمور" وأعوانه إتاواتهم على
هذا العمل البربري الذي يتنافى مع
ابسط مبادئ الإنسانية ويمضى رجال
المتعهد بهؤلاء المساكين في حراسة
قوية إلى موضع الحفر الذي يصلونه بعد
أسبوع سيراً على أقدامهم، فإذا بلغوه
بعد هذه الرحلة الشاقة بدءوا عملهم.
وياله من عمل مضن شاق .. لقد كان على الواحد
منهم أن يحفر من طلوع الشمس إلى غروبها
. حتى إذا قبل الليل كان عليه أن يقوم
بحراثة الأرض التي تنبت له ما يأتدم به
من "الفجل ، والجرجير والكرات " ولم يكن
يملك الماشية، فكان يستعيض عن المحراث
بالفأس.. وكان عليه أن يشترك مع جماعة
من زملائه ليقيموا لأنفسهم مسكناً من
الطين يتكدسون فيه بالعشرات .. وكان
أولئك لعمال يقاضون اجر أعمالهم كل أسبوعين
، وكان الأجر المقدر فرنك في الأسبوع ، أي أن
اجر العامل كان حوالي ستة مليمات في اليوم
يحتجز منها المتعهد ثمن الخبز وثمن الماء
ويخصم ما يشاء من الباقي نظير العقوبات...
لقي العمال خلال هذا العمل المرير صنوفاً
من العذاب بالإضافة إلى الإرهاق في العمل
وفى هذه القسوة التي كانوا يعيشون فيها
فتكت بهم الأمراض فلا يمر يوم حتى يتساقط
فيه صرعى مئات العمال نتيجة المرض والإرهاق
غير من كان يقتلهم المقاولون وأعوانهم من
الجبابرة الطغاة برصاصهم وسياطهم إذا ابدوا
التذمر أو الاعتراض ..ولا نغالي إذا قلنا أن مياه
هذه القناة جرت على رفات عشرات الألوف من
أجدادنا المكافحين ممن صدق فيهم قول الشاعر :
من أجل اليوم المشهود
هذه الصورة الأليمة من كفاحنا المرير الذي
قاسى منه الشعب ما قاسى ،وعانت منه
الدقهلية قبل غيرها معاناة مريرة،
بحكم موقعها المتاخم لمنقطة العمل
- فدفعت ثمنه غالياً من دماء أنبائها
وجادت بأرواح الألوف منهم مؤمنه، بأنه
سوف يأتي اليوم الذي يقوم فيه من
أبنائها من يثأر لما لحقهم من ظلم
فيسترد القناة لنا، ولن تكون لغيرنا
أبدا، وان دماء أجدادنا لن تسيل
بعد اليوم ذهباً في خزائن المستعمرين.
لقد كانت صحية الحق هذه تكريماً
لأبناء الدقهلية قبل غيرهم ارتفعت بها
هاماتهم، وقرت بها أرواح أجدادهم،
فهي ترفرف اليوم من حولك - يا بطل
التأميم - إحتفاء بك راضية مرضية.